خارج الصندوق

د.هبة جمال الدين تكتب.. الطائفية بين بلفور وسايكس بيكو العصر الحديث

دكتورة هبة جمال الدين استاذ العلوم السياسية
دكتورة هبة جمال الدين استاذ العلوم السياسية


جاء وعد بلفور ليذكرنا بالطائفية وتوظيف القوى الاستعمارية لها للاستيلاء على الحق العربي؛ فانكر وجود الشعب الفلسطيني، وحول الديانة لقومية تؤسس لكيان استيطاني. فتحدث عن وطن قومي لليهود علي الارض العربية، وليس دولة واضحة الحدود السياسية. 
الأمر الذي يتجدد الان مرة أخري من خلال أطروحات جديده تطرحها مراكز الفكر الغربية والصهيونية، كالمصطلحات الجديدة كاعادة ترسيم الحدود السياسية بمنطقة الشرق الأوسط، عبر فقاعات متحركة يصعب السيطرة عليها ينتج عنها تقسيم وتفتيت للدول العربية والإسلامية. فيطرح American Enterprise Institute خريطة جديدة للمنطقة لدول مفتتة بناء علي تقسيم ديني وطائفي.  
فكما كانت الطائفية مدخل الاستعمار كحالة بلفور ، هي أيضا مدخل التغيير والاستيلاء والهيمنة، وهي كذلك المطية التي تمتطيها القوي الاستعمارية بالمنطقة. 
مروجة بزييف رابطة الدول القومية باعتبارها صنيعة القوي الاستعمارية لإرضاء القوميين، العرب لوصمها بالتامر والفساد والعمالة للغرب.

والحل هي تغذية الطائفية لتؤسس الوحدات السياسية الجديدة أو الدويلات الناشئة لتقسم الدول وفقا الدين والعرق، هكذا ستتحقق نبؤءة ارض إسرائيل الكبري عميلة القوي الاستعمارية بالمنطقة.
هكذا بنت اتفاقات ابراهام نواة اكبر لمخطط استعماري اشمل، تاسس علي التطبيع الثقافي والسياحي والشعبي، تحت إطار هوية جديدة مزعومة هي الهوية الابراهيمية، يتحقق بموجبها رضاء شعبي بهيمنة إسرائيل وتحكمها مركزيا في موارد المنطقة، بحجة امتلاكها التكنولوجيا المتقدمة كمبرر للشرعية التي تتحقق برضي أمة مغيبة تري في الابراهيمية كينونتها.
 فالابراهيمية ليست بمشترك يجمع المسلمين والمسحيين واليهود لتحقيق السلام الديني العالمي كما يدعون. لكنها تكريس الصهيونية التي تنكر الاديان السماوية وتقبل بروافدها  الثقافية الفكرية من ماجوسية وهندوسية وبوذية وعبادة شيطان.
ومن ثم نصبح أمام خدعة صهيونية كبيرة وفخ ماسوني عميق.
وتأتي الابراهيمية بمطالبات مزعومة بعودة الصهاينة للدول العربية والإسلامية. بحجة الحنين للاوطان التي خرجوا منها. مدعين اكراههم وإجبارهم علي ذلك. 
هنا يأتي السؤال حاضرا كيف نشا الكيان علي نقل اليهود الي فلسطين، والان يطالبون بتركها والعودة للدول التي خربوها وتركوها طواعية؟ الإجابة بكل وضوح هي الولايات المتحدة الابراهيمية، الاتحاد الفيدرالي صاحب الأيديولوجية الابراهيمية الذي يؤسس لآلية مركزية لإدارة الموارد بالمنطقة. ومن ثم فالكيان الصهيوني لن يثق الا في أبناءه ليستولوا علي الاخضر واليابس، ويعيدون العبوديه والسخرة لشعوب المنطقة ككل ، والسيطرة علي مواردها.
فتجد مطالبات بفرض تعويضات علي مصر والسعودية باكثر من ٢٥٠ مليار دولار لصالح الصهاينة. ودعوات بعودة الصهاينة من مسؤولين عرب كوزير الشؤون الدينية بالسودان،
 ومحاولات لعودة اليهود لليبيا والعراق واليمن. والمضحك مطالبة الحريديم بالسفر لإيران رغم عدم وجود أي صلة لهم بإيران. وانما بدأ الكيان الصهيوني في نشر صور مشابهة بين زي النساء في إيران ونساء الحريديم، بل ويؤسس بشكل واهي لتقارب بين فكرهم وتعاليمهم والفكر الشيعي. أملا في خديعة إيران لترضي بوجودهم، ومن ثم عقب تفتيتها وسقوطها تجد اسرائيل لأعوان لها في ارض الفرس.
والاكثر مزحة الادعاء بأن نتنياهو أصله سوداني اسمه الاصلي - كما يروج الصهاينة- عبد الرحمن شاؤول عطالله كمزحة يرددها أهلنا بالسودان عبر استثمار حسم الفكاهي،  ليتم ترويج الادعاء بان أصوله من شمال السودان بجوار حلايب وشلاتين منحدر من أسرة غنية لها اراضي شاسعة.
 هنا التساؤل لماذا سوداني غني؟ الإجابة تكمن في اتفاقية الشعوب الأصلية عام ١٩٩٠ التي تؤصل لمستقبل مرير يوظفه الكيان الصهيوني. مدعيا بأن اليهود هم اصل المنطقة وتم تهجيرهم قسرا الأمر الذي تترجمه الاتفاقية في تعويضات مالية عن ممتلكاتهم بالقيمة السوقية، وتمكينهم منها مرة أخرى وإدارة اقتصاد تلك الدول. الأمر الذي يترجم المخطط الصهيوني الطائفي المزعوم الولايات المتحدة الابراهيمية.
وعلي الرغم من هذا المخطط الشيطاني للعصر الحديث، إلا أن الخبرة أثبتت أن ما يحاك ضد المنطقة ليس بالجديد، وانما هو متجذر منذ القدم. 
ولكنها دوما تصطدم بصخرة الشعوب العربية والإسلامية المقاومة الباسلة خاصه الشعب الفلسطيني الحر المناضل باعتباره علي خط النار فبقاءه محتفظا ومتمسكا بحقه التاريخي هو المانع الاول في وجه هذا المخطط الاستعماري المرير. فهو خط الدفاع الأول عن كافه الشعوب والدول العربية والإسلامية. فيحيا الشعب المناضل في ذكرى وعد بلفور المشؤوم.

د. هبة جمال الدين 

نائب رئيس قسم الدراسات المستقبلية -  معهد التخطيط القومي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية